مطالب لإعادة النظر في استمراراحتجازالمتهمين بنيس، العلج والسلاوي احتياطيًا

الأنوال نيوز
شهدت قضية "الاغتصاب المزعوم" التي هزت الرأي العام المغربي، والتي اتهم فيها كل من كميل بنيس ومحمد العلج وسعد السلاوي بالاعتداء على المحامية الفرنسية سيكستين فيليكس، تطورات مفاجئة، ففي خضم استمرار التحقيقات وتضارب الروايات والاتهامات، كشف تسجيل صوتي حصري تحصل على معطياته موقع "Le Desk" عن تفاصيل جديدة من شأنها تغيير مسار القضية، وإعادة فتح النقاش العمومي حول ملابسات الواقعة والتساؤلات بشأن ضمانات تحقيق التوازن بين ضرورة إتمام التحقيق وحماية حقوق الأفراد، لا سيما في ظل استمرار احتجاز المتهمين احتياطياً.
ويُمثل هذا التسجيل الصوتي، الذي تم التقاطه بواسطة هاتف ذكي في اليوم التالي للسهرة التي دارت فيها الأحداث، كما كشفت جريدة "Le Desk"، دليلا حاسما ينضاف إلى سلسلة الأدلة التي يسعى المحققون من خلالها إلى فك خيوط هذه القضية المعقدة.
وقد استند المحققون في الوصول إلى هذا الدليل الرئيسي إلى إفادات محمد رضا فضلي، الشخصية البارزة في الحوار المسجل، والذي أكد أنه قام بتسجيل المحادثة التي جمعت بين محمد أمين النقيب، خطيب الضحية المفترضة، و"سيستين فيليكس"، وذلك بناءً على طلب والد النقيب، هذا الحوار الذي دار في اليوم التالي للأحداث التي شهدتها فيلا عين الدياب، يُقدم شهادة مباشرة حول الحالة النفسية للأطراف المعنية وتصوراتهم الأولية لما جرى.
إلا أن اللافت في هذه القضية، والذي يُعيد بقوة إلى الواجهة إشكالية الاعتقال الاحتياطي، هو استمرار احتجاز ثلاثة من المتهمين الرئيسيين – كامل بنيس ومحمد العاجي وسعد السلاوي – رهن الاعتقال الاحتياطي في السجن المدني بعين السبع، هذا الإجراء الاستثنائي، الذي يُفترض أن يكون قاصراً على حالات الضرورة القصوى لضمان سير التحقيق أو منع فرار المتهم أو العبث بالأدلة، يطرح علامات استفهام كبرى في ظل التضارب الكبير في الشهادات والتحولات المتكررة في رواية الضحية المفترضة، كما أشار إلى ذلك موقع "Le360" في تقرير سابق.
ففي الوقت الذي تضمنت فيه تصريحات "سيستين" فيليكس الأولية اتهامات صريحة بالاغتصاب، سرعان ما تراجعت عن هذه الاتهامات لتعلن براءة المتهمين، قبل أن تعود لاحقًا لتتحدث عن تعرضها للتلاعب. هذا التقلب اللافت في روايتها يُثير الشكوك حول مدى الحاجة لاستمرار الاعتقال الاحتياطي للمتهمين الثلاثة، خاصة وأن الأصل في القانون هو البراءة والاعتقال هو الاستثناء.
ويُظهر التسجيل الصوتي الجديد، الذي يُفترض أنه يُقدم صورة أقرب إلى الواقع في الساعات الأولى التي تلت الأحداث، نقاشات مُفصلة تُشكك في السيناريو الأولي للاغتصاب، فالحوارات بين الخطيبين ومحمد رضا فضلي تكشف عن حالة من الارتباك من جانب "سيستين فيليكس"، وهو ما يُضيف بُعدًا آخر للتحقيق ويُقلل من القطعية في اتهامات الاغتصاب، في المقابل، تتواتر شهادات الشهود الآخرين، الذين يزيد عددهم عن اثني عشر شخصًا، لتنفي بشكل قاطع فرضية الاغتصاب وتؤكد على وجود علاقة رضائية بين الأطراف، بل إن المتهم الرئيسي نفسه، وفي مستهل استجوابه، لم يتردد في الاعتراف بوجود علاقة جنسية ولكن بالتراضي التام.
الأكثر إثارة للدهشة، هو أن تفاصيل الملف تكشف عن حقائق جوهرية تقوض دعائم اتهام الاغتصاب، فبالتدقيق في حيثياته، يتضح جليًا غياب أي عنصر مادي أو دليل ملموس يثبت وقوع فعل الاغتصاب، ليقتصر الأمر برمته على أقوال الضحية المفترضة وخطيبها السابق، وعلى هذا الأساس الهش، تم إيداع أربعة أشخاص رهن الاعتقال الاحتياطي، استنادًا إلى شهادتين فحسب.
في المقابل، تتواتر شهادات أكثر من اثني عشر شاهدًا آخرين لتنفي بشكل قاطع واقعة الاغتصاب، مؤكدين إجماعهم على وجود علاقة رضائية بين الأطراف. بل إن المتهم الرئيسي نفسه أقر في الدقائق الأولى من استجوابه بحدوث علاقة جنسية بالتراضي.
الأكثر دلالة في هذا السياق، هو اعتراف الضحية المفترضة نفسها بواقعة العلاقة الرضائية، ونفيها الصريح للرواية التي قدمها خطيبها السابق. ولم تكتف بذلك، بل تقدمت بتنازل رسمي عن شكواها أمام قاضي التحقيق، مُبرئةً بذلك المتهمين الأربعة دون أي مقابل مالي أو أي شكل من أشكال الضغط أو الإكراه.
وفي إفادتها، أقرت الضحية بأنها تقدمت بشكواها بناءً على أقوال منقولة إليها من قبل خطيبها السابق ووالده، مؤكدةً أنها لم تكن تحمل قناعة شخصية بضلوع المتهمين في الأفعال المنسوبة إليهم.
وبناءً على هاتين الشهادتين المتناقضتين، يقبع أربعة أشخاص في السجن، في حين أن إحدى هاتين الشهادتين قد تراجع صاحبها عن روايته الأولية، بينما تؤكد الضحية الرئيسية بنفسها أنها لم تتعرض للاغتصاب. ولا يتبقى سوى شهادة واحدة، وهي شهادة النقيب، التي تتضمن اتهامات للمشتبه بهم الأربعة، إلا أنها شهادة تفتقر إلى أدنى درجات المصداقية، حيث ثبت قيام النقيب بتقديم معلومات كاذبة للسلطات، وروايات متضاربة ومتعددة للوقائع، بالإضافة إلى كذبه بشأن القاضي والمدعية والشهود الآخرين، مما يسقط أي قيمة ائتمانية لشهادته.
هذه الحقائق الدامغة تضع علامات استفهام كبرى حول استمرار الاعتقال الاحتياطي للمتهمين الأربعة، وتُعيد بقوة إلى الواجهة إشكالية هذا الإجراء الاستثنائي الذي يجب أن يستند إلى أدلة قوية وقرائن راسخة، لا إلى شهادات متضاربة ومشكوك في مصداقيتها، فكيف يستمر أربعة أشخاص قابعين خلف أسوار السجن بناءً على شهادتين فحسب، إحداهما تراجع صاحبها عن روايته الأساسية، بينما تؤكد الضحية الرئيسية بنفسها أنها لم تتعرض للاغتصاب، ولا يتبقى سوى شهادة واحدة، وهي شهادة النقيب، التي يشوبها الكثير من علامات الاستفهام حول مصداقيتها.
إن استمرار احتجاز المتهمين احتياطياً لفترة طويلة في ظل هذه الظروف المتشابكة يُعيد إلى الأذهان المخاطر المصاحبة لهذا الإجراء، فالاعتقال الاحتياطي، الذي يُفترض أن يكون تدبيرًا مؤقتًا، قد يتحول إلى عقوبة سابقة لأوانها، خاصة إذا طالت مدته ولم تُفضِ التحقيقات إلى أدلة قاطعة تدين المتهمين، كما أن له تداعيات اجتماعية واقتصادية وخيمة على حياة المعتقلين وعائلاتهم.
وفي هذا السياق، يُصبح من الضروري التساؤل عن مدى استيفاء شروط الاعتقال الاحتياطي المنصوص عليها في القانون المغربي في هذه القضية، هل هناك خشية حقيقية من فرار المتهمين أو العبث بالأدلة؟ وهل استنفدت جميع البدائل القانونية الأخرى التي قد تضمن سير التحقيق بشكل سليم دون المساس بحرية الأفراد؟
تستدعي هذه التطورات ضرورة ملحة لإعادة النظر في استمرار احتجاز المتهمين احتياطيًا، مع الأخذ في الاعتبار حقهم في قرينة البراءة وضرورة ضمان سير التحقيق بشكل عادل ومتوازن. وتُشكل هذه القضية فرصة لإعادة تقييم شامل لممارسات الاعتقال الاحتياطي في المغرب، بهدف تحقيق التوازن الدقيق بين حماية حقوق الضحايا وضمان حقوق المتهمين في الحصول على محاكمة عادلة، مع التأكيد على أن الأصل هو الحرية والاعتقال هو الاستثناء.
يذكر أن المحامية الفرنسية سيكستين فيليكس، الطرف المدعي في قضية بنيّس-لعلج-السلاوي، كانت قد تقدمت بسحب شكواها لدى نيابة الدار البيضاء يوم الجمعة الموافق 7 مارس 2025، وقد صرحت في حينه بأنها كانت "فاقدة للوعي" أثناء الواقعة وأن "ما أدلت به من أقوال لم يكن مطابقًا للواقع".
يشار أن النظام القانوني الوطني، يرسخ مبدأ أساسي وهو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بموجب حكم قضائي نهائي، إلا أن هذه القضية، في ظل ملابساتها المعقدة وتراجع المدعية عن اتهامها الرئيسي، تكشف عن إمكانية استغلال القانون لغايات أخرى، حيث قد تتحول الشكوى المقدمة إلى أداة لتصفية الحسابات أو تحقيق مآرب شخصية، وفي هذا السياق، يصبح البحث عن الحقيقة، بكل الوسائل المشروعة، أولوية قصوى، مع التأكيد على ضرورة تجنب اللجوء المفرط إلى مسطرة الاعتقال الاحتياطي كإجراء استثنائي، واستكشاف البدائل القانونية المتاحة التي تضمن سير التحقيق بشكل فعال دون المساس بحرية الأفراد وسمعتهم قبل ثبوت إدانتهم.
أوكي..