الزاوية القادرية البودشيشية بين الشرعية الروحية و التجاذبات الرمزية: قراءة في إشكالات الراهن و مآلات المستقبل

الأنوال نيوز
تعيش الطريقة القادرية البودشيشية اليوم لحظة دقيقة تكشف عن تداخل المعطيات التاريخية و الراهنة في صياغة مستقبلها. فمنذ نشأتها، ظلت الزوايا المغربية فضاء لحراسة الروح و تجديد المعنى الديني، متوازنة مع إمارة المؤمنين التي حملت عبر القرون مسؤولية صون العقيدة و تدبير الشأن الديني العام. هذا التقابل لم يكن تبعية و لا خصومة، بل علاقة تقابل تكاملية: إمارة المؤمنين ترعى الوحدة الدينية، والزوايا تحفظ سر التربية الروحية تحت رعاية أمير المؤمنين لا بموازاته.
في ضوء هذا الإرث، يتضح أن مشيخة الزاوية ليست منصبا إداريا ولا سلطة زمنية، بل هي مقام رباني يثبت بالوصية المتصلة و بالإجماع العملي للفقراء و المحبين. لهذا فإن الجدل الدائر اليوم لا يتعلق باختيار من يقود الطريقة، لأن الأمر محسوم سلفا بالوصية الشرعية للشيخ سيدي جمال، و بالقبول الواسع و الاجماع الذي حظي به الشيخ الدكتور منير القادري، داخل المغرب و خارجه، من طرف مريدي الزاوية و هيئات علمية و صوفية معتبرة في العالم الإسلامي.
غير أن الحقل الديني المغربي يعرف في السنوات الأخيرة ديناميات جديدة مرتبطة بمحاولات إعادة هندسة السلطة الرمزية. و حين تتحول زاوية مثل القادرية البودشيشية إلى فاعل مؤثر يتجاوز الطابع المحلي، و يجمع بين القوة التنظيمية و الامتداد الدولي، فإنها تدخل في دائرة القلق بالنسبة لبعض دوائر التحكم التي تسعى دائما إلى ضبط المجال الديني ضمن حدود ضيقة. و من هنا نفهم بروز محاولات خلق بدائل رمزية محدودة الأثر فاقدة للشرعية ( الوصية و الاجماع)، في مسعى لتفريغ القيادة الروحية من عمقها التربوي و المعرفي و اذا اخدنا بعين الاعتبار ايضا شخصية سيدي منير، شيخ الطريقة ، تكوينا أكاديميا و اشعاعا تربويا صوفيا، محليا و دوليا، يظهر بكل جلاء معنى ما سبق ذكره.
لكن الواقع يثبت أن هذه الاستراتيجيات لا تصمد طويلا، لأن الزوايا لا تقوم على منطق التسويق و لا على القرارات الفوقية، بل على أثر التربية في القلوب و ثمرة السلوك في الميدان. و الشيخ مولاي و سيدي منير يجمع بين بعدين نادرين: عمق عرفاني أصيل و رصيد أكاديمي رفيع، مما يمنحه شرعية مضاعفة تؤهله لأن يكون صوتا صوفيا معاصرا قادرا على مخاطبة الداخل و الخارج.
إن المرحلة الحالية، بما تحمله من شد و جذب، ليست إلا تعبيرا عن صراع أعمق بين منطق يسعى إلى تحويل التصوف إلى فولكلور منزوع الفاعلية، و منطق آخر يريد له أن يستعيد أصالته كقوة تربوية و روحية مستقلة في خدمة الأمة عبر مبدأي التربية و الاخلاق. و في كل الأحوال، فإن ولاء الطريقة القادرية البودشيشية لأمير المؤمنين ثابت لا يتغير، لأنه جزء من جوهر هويتها الروحية و التاريخية كما ان أمير المؤمنين كان دائما الحكم العدل و الحاضن الحكيم .
المستقبل القريب سيكشف أن قوة الوصية و إجماع الفقراء ستبقى هي المرجع الحاسم في تحديد من هو شيخ الطريقة، أما الادعاءات التي تطرح نفسها خارج هذا الإطار الشرعي و الروحي فستبقى مجرد دعوى بلا سند. و أقصى ما يمكن أن تتيحه، إن كان لها وجود، هو أدوار تسييرية محدودة لا ترقى إلى مقام المشيخة، إلا إذا اختار أصحابها طريقا آخر بإنشاء زوايا خاصة بهم خارج السياق البودشيشي الأصيل. و من ثم يظل الثابت أن الزوايا التي ارتبطت بالله وخدمت الوطن تحت ظل إمارة المؤمنين هي وحدها التي تستمر، أما محاولات الالتفاف و الاحتواء فلن تكون سوى عابرة، لأن ما كان لله دام و اتصل، و ما كان لغيره انقطع و انفصل، لذلك ستبقى وحدة الطريقة مضمونة كما أثلها شيوخها سيدي العباس و سيدي حمزة و سيدي جمال قدس الله سرهم و كما سعى لها سيدي و مولاي منير سعيا حليما حكيما رحيما، و في نفس الوقت ثابتا على العهد مستقيما قويا كما هم أهل الله و خاصته ،برعاية مولوية ، لأمير المؤمنين نصره الله ، حامية سامية عطوفة وعادلة .
و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيد المرسلين الحبيب سيدنا محمد و على آله و صحبه اجمعين .
اللهم صل على سيدنا محمد الذي ملأت قلبه من جمالك و عينه من جلالك فأصبح فرحا مؤيدا منصورا وعلى آله و صحبه وسلم تسليما
الفقير المحب عبدالرحيم حجيب الإدريسي
أوكي..